ماذا تعرف عن المكتبات المتنقلة ؟
تمثل المكتبات المتنقلة (Mobile libraries) وسيلة متقدمة ونمطاً متطوراً لإيصال الخدمة المكتبية إلى المناطق النائية والمعزولة أو المسالك الجبلية الوعرة ومناطق البادية وسواها من المناطق الأخرى، وقد اتجهت المكتبات العامة إلى إيجاد هذه الوسيلة لتتمكن من خلالها الاتصال بمثل هذه التجمعات السكانية والقرى النائية لنشر الوعي الثقافي والإرشادي والصحي، وقد تكون وسائل النقل المستخدمة السيارة أو العربة أو الدآبة أو الزوارق في المناطق المكتظة بالبحيرات والمستنقعات ،ولكن الوسيلة العامة في تقديم هذه الخدمة هي السيارة وقد يطلق على هذه المكتبات تسميات أخرى مثل المكتبة الرحالة ومكتبات المعارض أو العرض، والمكتبات المتجولة ،وباصات الكتب ،وقوافل الكتب ،وصناديق الكتب وغيرها.
تحاول المكتبة المتنقلة أن تصل إلى أكبر عدد ممكن من التلاميذ الصغار تمكنهم من لذة تصفّح الكتب وشم رائحتها. يتبادل الصغار الرأي مع المشرف على المكتبة، ينصحهم بأفضل الكتب، أو يلتزمون فقط بمجموعة الكتب التي يختارها المعلم يطالعونها بالتناوب فيما بينهم خلال فترة زمنية محددة.
الأطفال في هذه المناطق وتحديدا في أرياف تونس النائية لم يزوروا يوما معرضا للكتاب أو مكتبة عمومية ، فحتى كتبهم وأدواتهم المدرسية يشترونها من دكان القرية، إذا توفرت.
″تقترن المكتبة المتنقلة بمعاناة المدارس النائية في القرى الفقيرة، لكنها تمنح هؤلاء الصغار فرصة لممارسة حقهم في المطالعة وتفتح آفاقا جديدة أمام أذهانهم، توسع خيالهم وتأخذهم للحظات وهم يتصفحون صفحات الكتب الى عوالم وفضاءات أخرى خارج قراهم الصغيرة المحتاجة.
لطالما مثلت المكتبة المتنقلة فسحة أمل وفرح كلما حلت بالمدرسة، علّها تنسيهم غبن الواقع الذي يعيشونه. فالكثير من المدارس الريفية تفتقر لأبسط مقومات الحفاظ على كرامة الإنسان، فلا ماء صالح للشرب و لا حمامات، ولا حتى قاعات مراجعة وسورا للمدرسة. يقضون ساعات الراحة بين الحصص تحت ظل الأشجار أو مستندين الى جدار الصف، مفترشين الأرض صيفا و شتاء، يتجمعون في حلقات يتناولون فطورهم و يراجعون دروسهم.
لذا، تقترن المكتبة المتنقلة بمعاناة المدارس النائية في القرى الفقيرة، لكنها تمنح هؤلاء الصغار فرصة لممارسة حقهم في المطالعة وتفتح آفاقا جديدة أمام أذهانهم، توسع خيالهم وتأخذهم للحظات وهم يتصفحون صفحات الكتب الى عوالم وفضاءات أخرى خارج قراهم الصغيرة المحتاجة.
ولا تزال هذه التجربة موجودة في بعض المناطق التونسية رغم تراجع حضورها. إذ لا يتجاوز عدد المكتبات المتجولة 43 مكتبة تغطي ما يزيد عن 1800 تجمعا سكنيا ريفيا.
أول ظهور للمكتبة المتنقلة
لم تقترن تجربة المكتبة المتجولة أو المتنقلة دائما بالفقر و الحاجة، وإنما كانت تعبيرا عن حق سكان هذه المناطق في الحصول على الكتاب. وقد ظهرت المكتبات المتنقلة في بريطانيا سنة 1850، ثم في الولايات المتحدة الأمريكية في شكل عربات تجرها الخيول توصل الكتب إلى المناطق النائية والبعيدة.
وبحلول سنة 1912 ظهرت في أوروبا أول مكتبة متنقلة بقوة المحرك البخاري.
ولم تنقطع هذه التجربة في الدولة المتقدمة بل طوّرتها باعتماد الحافلات المجهزة و العربات التي تجوب المدن والارياف. يمكنك إيجاد الكتاب في أي مكان، في الساحات والحدائق ومحطات النقل. ففي لندن مثلا، توجد مكتبة عائمة تجوب الشواطئ محملة بالكتب و المجلات و الزهور.
فيما تستخدم الدول الفقيرة الجمال و الحمير لنقل الكتب إلى المناطق البعيدة ففي كينيا مثلا تستعمل الجمال مكتبات متنقلة.
أما في كولومبيا فقد خطف المدرس لويس سوريانو الأضواء بعد أن خاض تجربة طريفة بهدف ايصال الكتاب للجميع،فطفق يجوب المناطق الفقيرة حيث ابناء المزارعين الفقراء على ظهر حماره محملا بالكتب و المجلات الشيقة، ويستقبله هؤلاء اين ما حل بالترحاب والبهجة والامتنان.
لا ينبغي أن يكون الكتاب حكرا على فئة قادرة على اقتنائه أو قدر لها أن تعيش في مناطق مرفهة نسبيا تتواجد فيها المكتبات الخاصة والعامة. من حق الجميع الاستمتاع والانتفاع بما تجود به الكتب من مادة تغذي امكاناتهم اللغوية وتثقفهم وتنمي قدراتهم الفكرية وتوسع مداركهم وآفاقهم، فالكتاب حق للجميع، فقراء وأغنياء!