تاريخ بلاد الجريد التونسي.. جريدة النخلة الضاحكة
هذا الجريد الذي اجترح من عاشوا فيه من العرب والأمازيغ والأفارقة طرقهم لتكون الواحة جارة للصحراء بالحسنى والكلمة الطيبة.
يحدثنا المخرج والمتخصص في ثقافة الجريد التونسية علي عبد الوهاب خليل، عن مدينة توزر مركز الجريد التونسي، فيقول إنها مدينة قديمة منذ عهد الطوفان.
يتحدث عن تسامحها الديني وثرائها العلمي والأدبي منذ القرن الرابع الهجري، أما العمارة الجريدية فقد كانت ثمرة تعايش الناس مع ظروف المناخ الذي خبروه منذ آلاف السنين.
المواد الأولية من رمال وتراب المنطقة، فالجدران والطرق لا تبنى دون منحنيات تفاديا لريح السموم. أما الجريد فيوضع للسقوف، ويباهي خليل بأن الجريد يعيش أكثر من ألف سنة.
يتحدث ضيف المشاء عن الجدران السميكة بعرض خمسين سنتمترا من الآجر الذي يبنى بفراغات بين الآجرة والأخرى حتى ترخي ظلالا على المكان، بينما تتكفل طبيعة الآجر المشوي بأن يكون بردا وسلاما في الصيف ودافئا في الشتاء.
الجامع الكبير
عدد أيضا أسماء من تركوا بصمات من علماء توزر، مشيرا إلى الجامع الكبير الذي تخرج فيه ابن الكردبوس وأبو الفضل النحوي الذي يفضل أن يسميه أبو الفضل التوزري، وابن الشباط الذي يذكر خليل أنه قسم بالعدل وبفطنة مياه السقي في توزر بوحدة قياس اسمها القادوس.
أما الزوايا الصوفية فتنوعت منذ ألف عام في الجريد من القادرية والعيسوية والعلوية وغيرها.
توزر التي كان لها حضور في التاريخ ستدخل القرن العشرين محمولة على « أغاني الحياة » لأبي القاسم الشابي، فكان الجريد الذي بدا بعيدا عن مراكز الضجيج المدني الحديث أمام قاطرة الشعوب العربية وهي تنادي « إذا الشعب يوما أراد الحياة ».
يلتقي المشاء الفنانة التشكيلية روضة بريبش التي لم تتلق أي دراسة أكاديمية إلا في توزر ذات الطبيعة الدافعة والحيوية لقريحة الفنان، حسبما تشير.
ترسم من التشخيص والانطباعي والوحشي والتكعيبي إلى التجريد، لكن الواحة وتأثيرها يبقى ماثلا أينما وكيفما رسمت.
تحكي روضة عن مواطنها ابن توزر الفنان حاتم مكي الذي ترك بصمة في المشهد التشكيلي وعرفته تصاميم طوابع البريد والعملة النقدية للبلاد.
ختمت الحلقة بأغنية من التراث الجريدي بمرافقة الناي الزاهد في الضجيج والخيلاء. هنا في الجريد تعلم التونسيون المعنى الآخر للملهاة والمأساة، وتدرب الشابي على أغاني الحياة. هنا فرسان الحدث وفراسة الحديث.